فى كل أنحاء مصر، تتغير خرائط العمران بشكل أفقى ورأسى، المدن الجديدة والطرق والخدمات، تتحرك بشكل سريع ضمن خطة تحاول استيعاب الزيادة السكانية، ضمن ممرات التنمية التى تنطلق فى كل الاتجاهات، وهى مدن قابلة للبقاء والتطور واستيعاب المتغيرات والحداثة، وبجانب إعادة بناء الخدمات كلها، تأتى المحاور والطرق لتمثل أهم خطط محاور التنمية، لأنها تخلق فرصا وتضاعف من إمكانيات العمران والتحديث، وتضع الوجهين البحرى والقبلى على قدم المساواة مع العاصمة والمحافظات التى تركزت فيها الخدمات، وحرم منها الريف، والآن يعود العمل فى «حياة كريمة» لإعادة بناء الريف بالعمران، وتأتى خطط تطوير العمران فى الدلتا التى عانت – على مدار عقود – من إهمال وتشوه، وخضعت لتغيرات انتهت إلى تشوه البنية العمرانية، فى إطار مضاعفة جهود العمران فى هذه المنطقة من مصر.
من هنا يبدو الجهد واضحا فى نموذج مدينة المنصورة الجديدة فى قلب الدلتا، والتى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى وكانت مناسبة لاستعراض خطة الدولة فى بناء عشرات المدن الجديدة من الجيل الرابع.
واستعرض عاصم الجزار، وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية – خلال افتتاح المنصورة الجديدة – ما تعرضت له الدلتا على مدار العقود الأخيرة من تشوه عمرانى، وقال إن إقليم الدلتا مكون من 5 محافظات، يسكنه 20.6 مليون نسمة ومساحته 1.2% من مساحة الجمهورية، وهو ثانى أكبر إقليم من حيث حجم السكان بعد القاهرة الكبرى التى يسكنها 25 مليون نسمة.
ويعتمد إقليم الدلتا على الزراعة والصيد، وتسكنه كثافات سكانية مرتفعة أكثر من 400 نسمة فى الفدان، وسط محدودية للخدمات والمناطق الخضراء، وانعدام فرص الامتداد، خاصة أن نسبة الحضر فى الدلتا 28% فقط، بينما نسبة الحضر فى الجمهورية 45%.
الشاهد أن الدلتا – بكثافتها السكانية – شهدت تشوها فى البناء، وبالرغم من إضافة مساحات إلى الحيز العمرانى، لم تستغل، لأن البعض يفضل البناء على أراض مملوكة للدولة.
وأرجع وزير الإسكان أسباب تشوه البيئة العمرانية فى الدلتا، إلى تجاوز الحدود القصوى لكثافة السكان، والأنشطة التداخلية بالإقليم، والتركيز على الأسباب المادية فقط، معقبا: «عمران بلا هوية.. استغلال جائر للأراضى والسكن، ونجد سكنا مع عيادات، مع ورش، مافيش أى قواعد ولا نظم يتم الرجوع إليها، وبناء عليه تم وضع المخطط القومى 2052 بهدف مضاعفة المعمور، وما أضافته مدن الجيل الرابع، لتوسيع عوائد التنمية ووضع استثمارات فيها».
وأضاف الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان، أن خطة التنمية تقوم على أن العمران فى مفهوم الدولة هو وعاء التنمية، ولا تنمية دون هذا الوعاء.
خلال 5 سنوات تغيرت خريطة مصر، حيث زادت المساحة العمرانية من 7% إلى 14%، وذلك بفضل مدن الجيل الرابع التى انطلقت بدايتها عام 2018، والتى كانت بمثابة مشروع مصر للمستقبل، وحلمها فى التوسع العمرانى، وزيادة المساحة المعمورة، وإنقاذ المدن الجديدة من التكدس، فضلا عن أن هذا الجيل من المدن ضمن المدن الذكية.
ومنذ عام 2014 حتى 2022، بلغ معدل الإنفاق على المدن 45 مليار جنيه فى السنة، ووصل حجم السكان الذى كان يقطن هذه المجتمعات خلال 36 سنة، إلى معدل 140 ألف نسمة فى السنة، ونحن منذ 2014 حتى 2022 وصلنا لـ500 ألف نسمة، وهو أيضا معدل تتحرك الخطط لكى تتجاوزه.
ويقول الرئيس عبدالفتاح السيسى: «إن 5 ملايين يعملون فى الشركات التى تنفذ المشروعات الكبرى، وعلى الأقل 5 آلاف شركة، يعمل فى بعضها آلاف، يعنى 5 ملايين أسرة، لو أغلقت المشروعات هل يحصلون على تكافل وكرامة أم يشتغلوا ويبنوا البلد؟ هذا التصور ليس وليد اليوم، بل كان موجودا فى السابق، ولكن الظروف حالت دون تنفيذه، وهو تصور وضعه خيرة العلماء سواء فى الجامعة والوزارات، وهذه المشروعات ليست زيادة فلوس معانا، ولكنها أمور حتمية لازم نعمل كده، ولو ماعملناش كده يبقى قصرنا فى الحاضر والمستقبل، حتى يمكن أن نستوعب حجم الزيادة فى السكان».
وأضاف الرئيس: «إن ما نقدمه ونفعله معا، إنجاز للشعب المصرى، واننا نعمل معا كلنا، ومؤسسات الدولة بالكامل معانا، إحنا مش فى جنب لوحدنا، إحنا واحد، ومع بعض كلنا، ولينا فيها زى بعض».
والهدف من المدن الجديدة، وممرات التنمية، هو خلق أنشطة زراعية وصناعية مع محاور وطرق لتسهيل حركة النقل، ووصلها مع مبادرة «حياة كريمة» إلى ريف الوجهين البحرى والقبلى، لتكون جزءا من خطط التنمية.
هذا المخطط يمتد شمالا وجنوبا، ففى الصعيد يتم تنفيذ 10 محاور من غرب النيل لشرقه، طول الواحد منها 24 كيلومترا، وهى محاور تغير من شكل النقل والحركة والعمران فى الجنوب، وهناك مدينة جديدة وأكثر فى كل محافظة، الفيوم الجديدة، وبنى سويف الجديدة والمنيا الجديدة، وأسيوط الجديدة، وغرب أسيوط «ناصر»، وقنا الجديدة، وغرب قنا، وتوشكى الجديدة، وأسوان الجديدة، وهى مدن من الجيل الثانى والثالث، كل منها قادرة على استيعاب من 40 إلى 90 ألف نسمة، و9 مجمعات صناعية جديدة، واحد فى بنى سويف، ومجمعان فى الفيوم، وواحد فى المنيا، وآخر فى أسيوط، ومجمع بسوهاج، وواحد بقنا، ومجمع فى الأقصر، ومجمع صناعى فى أسوان التى تحتضن أكبر محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية من الشمس فى «بنبان».
وفى الدلتا، والشمال، هناك المنصورة الجديدة، ودمياط الجديدة وبورسعيد والإسماعيلية والإسكندرية الجديدة، وهى مدن خضراء ذكية تتضمن مستشفيات ومدارس وجامعات وخدمات كاملة.
نحن أمام تحول فى نظرة الدولة، حيث تم تطوير استراتيجية ممرات التنمية، التى تصل للصعيد بمدنه وريفه لإقامة تنمية مستدامة وقابلة للتوسع والاستمرار، إلى الشرق فى سيناء، والغرب، إلى القطاع الغربى، والعلمين الجديدة شمالا، باتجاه الساحل، وجنوبا فى الصعيد، وتحمل مبادرة «حياة كريمة» فرصا إضافية، حيث إنها تجمع كل المشروعات، وتمد محاور التنمية فى كل الاتجاهات وممرات التنمية تضيف إلى الجغرافيا والعمران.
سهام مندور//